هل العلاج بالرقية"الاسترقاء" ينافي التوكل ويُخرج من السبعين ألفًا؟

[وحيد]

هل العلاج بالرقية"الاسترقاء" ينافي التوكل ويُخرج من السبعين ألفًا؟ 

التوكل على الله عز وجل هو: صدق الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع فعل الأسباب النافعة؛أي القيام بالأسباب والاعتماد بالقلب على المسبب واعتقاد أنها بيده
لأن التوكل بدون فعل الأسباب النافعة يسمى تواكلاً وليس توكلاً، فإن سيد المتوكلين هو محمد ﷺ ، ومع ذلك كان يفعل الأسباب التي تقيه،سواء في جهاده وغزواته أو في حياته اليومية 
فالأسباب النافعة فعلُها لا ينافي التوكل أبداً، بل هو من مقتضى التوكل. 
️وقد ورد عن النبيﷺ حديثًا عن سبعين ألفا يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وذكرهم فقال(الذين لا يَسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)
وقلنا أن بعض الناس ممن ابتلاه الله بالأمراض الخطيرة أو الأسحار الخبيثة يستشهد بهذا الحديث فيمنع نفسه من الاسترقاء
مع أنه بأشد الحاجة إلى الاسترقاء وطلب العلاج بالقرآن للتخلص ممّا هو فيه من معاناة وأمراض بحجة أن هذا الفعل ينافي التوكل على الله 
وقد أسهب شراح الحديث في تفسير المقصود بهؤلاء السبعين ألفا الذين لا يسترقون وجعلوه محمولًا على الرقى الشركية المحرمة التي كان يفعلها أهل الجاهلية، كما ذكر غير واحد من أهل العلم . 
️قال ابن عبد البر في التمهيد (5/278) :
[ قَالُوا وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ : " أَنَّهُمْ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ " أَنْ يَكُونَ قَصَدَ إِلَى نَوْعٍ مِنَ الْكَيِّ مَكْرُوهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ يَكُونَ قَصَدَ إِلَى الرُّقَى بِمَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا مِنْ ذِكْرِهِ...ثم قال: وَعَلَى إِبَاحَةِ التَّدَاوِي وَالِاسْتِرْقَاءِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. ] اهـ.  
️وقال القرطبي في المفهم : كتاب الإيمان ،(1/464- 465 ) :
[ الرُّقى بأسماء الله تعالى هو غاية التوكل على الله، فإنه التجاء إليه، ويتضمن ذلك رغبته له، وتبركاً بأسمائه، والتعويل عليه في كشف الضر والبلاء... 
وقد رقى النبي ﷺ ، وأمر بالاسترقاء ورقاه جبريل وغيره، ورقته عائشة، وفعل ذلك الخلفاء والسلف، فإن كانت الرقى قادحة في التوكل ومانعة من اللحوق بالسبعين ألفاً فالتوكل لم يتم للنبي ﷺ ، ولا لأحد من الخلفاء، ولا يكون أحد منهم في السبعين ألفاً، مع أنهم أفضل من وافى القيامة بعد الأنبياء، ولا يتخيل هذا عاقل. ] اهـ. 
️وقد ذهب العلماء إلى جواز الرقية والاسترقاء على كل حال ،
وان كان المرء صحيح الجسد معافى لم تهلكه وتمرضه الأسحار والعيون والمس وغير محتاج إلى الاسترقاء فتركه أفضل ويقوم برقية نفسه بنفسه.
أما إن كان مريضا ومسحورا واحتاج الى الاسترقاء فله  ذلك
فقد وردت بجواز الاسترقاء والتداوي والأمر به نصوص صريحة صحيحة لا مطعن فيها ،ومن الأدلة الكثيرة التي استدل بها العلماء
️- عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبيﷺ رأى في بيتها جاريةً في وجهها سفعة فقال : استرقوا لها فإن بها النَّظْرَة. رواه البخاري(5739) . 
️- عن أسماء بنت عميس «أنها قالت: يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين أفنسترقي لهم؟ قال: نعم، فلو كان شيء سبق القدر لسبقته العين. رواه الترمذي (2059) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(1253) .
️_وفي المسند والسنن: عن أبى خِزَامةَ، قال: قلتُ: يا رسول اللهِ؛ أرأيْتَ رُقىً (نَسْتَرْقِيهَا،)ودواءً نتداوى به، وتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هل تَرُدُّ من قَدَرِ اللهِ شيئاً؟ فقال: «هي من قَدَرِ الله».
️_وعن رسول اللهﷺ قال: ((إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداوَوا، ولا تداوَوا بحرام))حديث صحيح رواه أحمد وأبو داوود 
️_وقد قال ﷺ حين سئل عن الرقى: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه"صحيح مسلم.
وقال: "لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً"صحيح مسلم
️__وعن عائشة، قالت : « كان رسول الله ﷺ يأمرني أن أسترقي من العين. رواه مسلم(2195) . 
️وقال ابن باز رحمه الله:عند الحاجة إليهما لا بأس بالاسترقاء ؛ لأن النبي عليه السلام أمر عائشة أن تسترقي من مرض أصابها، وأمر أم أولاد جعفر بن أبي طالب  وهي أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن تسترقي لهم، فدل ذلك على أنه لا حرج في ذلك عند الحاجة إلى الاسترقاء. مجموع فتاوى ابن باز
وهذا عام وليس فيه تخصيص بالاسترقاء لك أو للغير
وفي هذه الأحاديث الصحيحةِ الحث على التداوي والاسترقاء والاستشفاء وأنه لا ينافي التوكل ولا يُخرج من السبعين ألفًا 
ولا شك أن أعظم دواء هو دواء القرآن وكلام الرحيم الرحمن 
ثم يقال ما هي علة كراهة الاسترقاء عند من قال بكراهته؟
الجواب:العلة لما يحصل من تعلق القلب بالراقي أو بالرقية نفسها،أو ما يسمى التعلق بالأسباب وترك التوكل على مسبب الأسباب سبحانه
فتجد بعض الناس لا يهتم لنفسه ولا يطلب لها العلاج
ويقول أخاف أن أتعلق بالراقي أو بالرقية
ولكن إن مرض ابنه وفلذة كبده أو صرع الشيطان ابنه فتراه يركض يمينا ويسارا ويعطي أموال الدنيا لرقية ولده ولعلاج ولده، فنقول أليست ذريعة التعلق بالراقي والمعالج هنا أقوى مما لو طلبته لنفسك؟أليس هذا من التناقض؟ 
ثم نقول أليس هناك من يتعالج ويطلب الرقية لمصلحة دينية وشرعية وفي نفس الوقت قلبه معلق بالله ومتوكل عليه حق التوكل؟
بلى يوجد وهذا هو المطلوب 
بأن تأخذ بالأسباب وتعالج نفسك بالرقية أو تتعالج عند الراقي ومع هذا فإن عملت بالأسباب فقلبك معلق بالله وحده ومتوكلا عليه حق التوكل. فلا تعارض في الأمر.
هذا والله أعلى وأحكم وأعلم والحمد لله رب العالمين